الزيلاشي.. فنان مغربي تخلى عن الثروة من أجل فنه
جعل من أزقة أصيلة معرضه الدائم.. وأكياس الإسمنت تحمل رسوماته
يعرف باسم حفيظ "الزيلاشي"، نسبة إلى مدينته أصيلة.. هو مهاجر مغربي سابق، كسب قبل أربع سنوات ما يقارب نصف مليار درهم في ألعاب الحظ، بددها في الترحال والأسفار، ليستقر به المقام داخل قصبة أصيلة، متخذاً من ساحة عبدالله كنون فضاء لعرض لوحاته التشكيلية صيفاً وشتاء.
يقول حفيظ في حديث لـ"العربية.نت"، إنه لا يهوى الجري وراء المال، ولم يُخلق لجمع الثروة، بل الثروة أتت إليه بالصدفة في لحظة معينة حين شارك من باب التسلية في ألعاب الحظ، مضيفاً أنه بعد ذلك لم يعد يرف له الجفن، وأن نصف المليار درهم الذي كسبه تسبب له في متاعب نفسية، ولذلك راح يبدده شمالاً ويميناً في المطاعم والفنادق الفخمة والسفريات إلى أن نفد.
ويضيف: "ألوان النقود لا تغريني. الصباغة وحدها تسكن وتستلب روحي"، مؤكداً أنه ومع ذلك وإن كان يجعل منها مورد رزقه اليومي، فإنه لا يراهن عليها ليصير مليونيراً، ولأجل هذا فهو يرفض الدعوات التي تقدم له من أجل إقامة معارض في أروقة رسمية.
ويوضح أن شغفه هو أن تظل أعماله معروضة في الهواء الطلق على العابرين من السياح بمختلف جنسياتهم، مبرراً ذلك بأن لديه كفاءة في تسويق لوحاته، لا سيما أنه يتكلم الإسبانية بطلاقة والإنجليزية بمستوى مقبول والفرنسية في حدود الإمكان، المهم بالنسبة له هو دفع الزبون للمساومة على السعر بعد أن يعجب باللوحة.
ويؤكد أنه يبيع سلعته بأثمنة رمزية، تتراوح بين 50 و100 درهم مغربي، لأن ما يهمه ليس الربح، بل ترويج رسالته الفنية التي تتخذ من معالم المدينة (أقواس وأبواب..) وكذا القضايا الإنسانية الراهنة موضوعاً لها، كالربيع العربي وقضية المرأة والموسيقى الشبابية، قائلاً بصدد هذه الأخيرة إنه استوحى أحد موضوعاتها من "الهيب هوب والراب" والتي لم يتذوقها، فجسد فكرتها تشكيلياً من خلال طبيب جراح يجري عملية جراحية لآلة القيطار.
وأفاد الزيلاشي بأنه يعتمد على أكياس الإسمنت كحامل، والتي يعود الفضل فيها لشقيقه الذي جعله يفطن لها، خاصة أنها تتميز بالمتانة والليونة في نفس الوقت، إضافة إلى وظيفة هذه العملية من الناحية الإيكولوجية، حيث يعتبر نفسه كمن يقوم بتدوير هذه النفايات بجعلها نافعة من خلال تجميعه لها يومياً من مختلف أوراش البناء.
ويشير إلى أنه يقوم بتنظيفها جيداً وتجفيفها فوق سطح البيت، لتصبح صالحة للرسم الذي يعتمد فيه على ألوان مستخرجة من الطبيعة كقرون الأكباش التي يضعها على النار ليحصل من نثارها على اللون البني الغامق مضافاً إليه بعض من زيت شجر الأركان واللصاق الأبيض، كما يستمد الأصفر من الزعفران والأزرق من النيلة التي تطلى بها جدران المدينة.
ويتابع عبدالحفيظ أنه جرب الرسم بالحناء لمدة من الزمن، لكنه لاحظ أن خطوطها تبهت سريعاً، مؤكداً أنه يبيع لوحاته بشكل بدائي دون إطار أو واجهة زجاجية، وأن الزبون يحملها ملفوفة في صفحة جريدة، ليعرضها في بيته كما يشاء.
ويوضح عبدالحفيظ أنه مرتاح لحاله، وراض بعمله ما دام يحفظ له كرامته، ويؤكد أنه لا يبحث عن الشهرة، فيكفيه أن أعماله تسافر عبر المحيطات إلى كل البلدان، وأن هذا يدخل الدفء إلى قلبه ويجعله على حميمية دائمة مع الناس، عكس فضاءات الأروقة الباردة وما يطبعها من حفلات تنكرية ومصطنعة، كما يصفها